كم بدا حسن نصر الله مسالما، وادعا، مفرطا في طاعته لأولي الأمر في لبنان على غير العادة، وهو يتحدث بما يشبه الخشوع عن تأييده اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
أجل، أولي الأمر هذه المرة هم المسؤولون اللبنانيون الذين تحدث عنهم زعيم حزب الله بإجلال كبير، وَبخشية المواطن المسكين، المغلوب على أمره في حضرة السلطة التي من حقها اتخاذ القرارات المصيرية، حتى لو كان الأمر يتصل بتطبيع ضمني مع إسرائيل أو سلام معها كما وصف حليف حزب الله المقرب
تجنب زعيم "المقاومة" المزعومة هذه المرة التلفظ بعبارات "الكيان الصهيوني الغاصب"، و"دولة الاحتلال" و "العصابات"، وكاد أن يشكر نزاهة الوسيط "الشيطان الأكبر"!.
بالطبع لم يتحدث نصر الله عن التطبيع، ورفض اعتبار ترسيم الحدود اقترابا من هذه الكلمة المحرمة "لفظيا"، لكنه أول العارفين ما الذي يعنيه توقيع دولتين اتفاقا من هذا النوع أمام الكاميرات، برعاية الشيطان الأكبر، ولا مانع من مسلسل الردح الكلامي لذر الرماد في عيون التابعين لكن كما قال حليف نصرالله المقرب وئام وهاب ما بدنا نضحك عبعض.
قبل عامين، ملأ زعيم حزب الله الشاشات صراخا ونواحا، وتباكيا على الإسلام والعروبة وفلسطين، وتخوينا لدول عربية أبرمت اتفاقات مع إسرائيل، معتبرا الأمر "خطوة غادرة وطعنة في الظهر"، وخدمة مجانية لترامب ونتنياهو،
لكن حلال على نصرالله تقديم الخدمات الانتخابية لحكومة اليمين الصهيوني المتشدد وبايدن الذي يحتاج بشدة لمثل هذا الاتفاق في سعيه المحموم لتجاوز عقبة انتخابات التجديد النصفي
لكن المفارقة صادمة حقا فحسن نصر الله قالها بما يشبه الدعابة "بدنا ناكل عنب"
دعابة أقرب إلى زلة اللسان وفق المثل الشعبي الشهير، فالناطور المتمكن في هذه الواقعة ليس سوى إسرائيل، والحصول على العنب لن يكون إلا بالاستئذان أو الصحبة الطيبة، وإن كانت في السر ولا غاية أبدا بمخاصمة أو مواجهة الناطور.
أي أن نصر الله يعلنها بوضوح مواجهة إسرائيل لم تكن يوما الهدف وإنما العنب
ليتك قلتها منذ زمن طويل يقول أحد المعلقين وأرحت جمهورك المغيب من الهتاف والموت في متاهات الطريق المزعوم إلى القدس، وأرحت اللبنانيين من ظلمة وبرد وجوع وموت
في قيعان البحار
الآن، وقد سقطت الأقنعة حقا، أين سيصرف حزب الله قوته الميليشاوية الفائضة؟ ولمن سيرفع سبابته المتوعدة في الهواء؟ وبم سيهجو أعداء الداخل عملاء السفارات الذين أخروا صلاته في القدس؟.